كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل، وأوصى صاحب الجيش فقال: إذا حضر العدو تضرب فلانًا بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل، أو ينهزم منه الجيش. فقتل وتزوّج المرأة، ونزل الملكان على داود عليه السلام، فسجد فمكث أربعين ليلة ساجدًّا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده: رب زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب. رب إن لم ترحم ضعف داود، وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثًا في المخلوق من بعده فجاء جبريل عليه السلام من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إن الله قد غفر لك، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ قال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك، فإن شئت لأفعلن فقال: نعم. ففرح جبريل، وسجد داود عليه السلام، فمكث ما شاء الله، ثم نزل فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه. فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول هب لي دمك الذي عند داود فيقول: هو لك يا رب فيقول: فإن لك في الجنة ما شئت، وما اشتهيت عوضًا».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال: لما أصاب داود عليه السلام الخطيئة، وإنما كانت خطيئته، أنه لما أبصرها أمر بها فعزلها فلم يقربها، فأتاه الخصمان، فتسورا في المحراب، فلما أبصرهما قام إليهما فقال: أخرجا عني ما جاء بكما إليَّ فقالا: إنما نكلمك بكلام يسير {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} وأنا {لي نعجة واحدة} وهو يريد أن يأخذها مني فقال داود عليه السلام: والله أنا أحق أن ينشر منه من لدن هذه إلى هذه. يعني من أنفه إلى صدره فقال رجل: هذا داود فعله فعرف داود عليه السلام إنما عني بذلك، وعرف ذنبه، فخر ساجدًّا لله عز وجل أربعين يومًا، وأربعين ليلة، وكانت خطيئته مكتوبة في يده، ينظر إليها لكي لا يغفل حتى نبت البقل حوله من دموعه، ما غطى رأسه، فنودي أجائع فتطعم، أم عار فتكسى، أم مظلوم فتنصر، قال: فنحب نحبة هاج ما يليه من البقل حين لم يذكر ذنبه، فعند ذلك غفر له، فإذا كان يوم القيامة قال له ربه: «كن امامي فيقول أي رب ذنبي ذنبي. فيقول الله: كن خلفي فيقول له: خذ بقدمي فيأخذ بقدمه».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} قال: إن داود عليه السلام قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، من الذكر ما لو وددت أنك أعطيتني مثله. قال: الله عز وجل «إني ابتليتهم بما لم ابتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به، وأعطيتك كما أعطيتهم» قال: نعم. قال له: فاعمل حتى أرى بلاءك.
فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك عليه، فكاد أن ينساه، فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة، فأراد أن يأخذها، فطارت على كوة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت فاطلع من الكوة، فرأى امرأة تغتسل، فنزل من المحراب فذهب ليأخذها، فأرسل إليها، فجاءته فسألها عن زوجها، وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية أن يؤمره على السرايا ليهلك زوجها، ففعل فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نصروا.
وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود عليه السلام أراد أن ينفذ أمره، فبينما داود عليه السلام ذات يوم في محرابه، إذ تسور عليه الملكان من قبل وجهه، فلما رآهما وهو يقرأ، فزع وسكت وقال: لقد استضعفت في ملكي، حتى أن الناس يتسوّرون على محرابي فقالا له {لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} ولم يكن لنا بد من أن نأتيك، فاسمع منا فقال أحدهما {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها} يريد أن يتم مائة، ويتركني ليس لي شيء {وعزني في الخطاب} قال: إن دعوت ودعا كان أكثر مني، وإن بطشت وبطش كان أشد مني. فذلك قوله: {وعزني في الخطاب} قال له داود عليه السلام: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} إلى قوله: {وقليل ما هم} ونسي نفسه صلى الله عليه وسلم، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال، فتبسم أحدهما إلى الآخر، فراه داود عليه السلام، فظن إنما فتن {فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب} أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه، ثم شدد الله ملكه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أن داود عليه السلام جزأ الدهر أربعة أجزاء: يومًا لنسائه، ويومًا للعبادة، ويومًا للقضاء بين بني إسرائيل، ويومًا لبني إسرائيل. ذكروا فقالوا: هل يأتي على الإِنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا؟ فاضمر داود عليه السلام في نفسه أنه سيطيق ذلك، فلما كان في يوم عبادته غلق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكب على التوراة.
فبينما هو يقرأها إذ حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن قد وقعت بين يديه، فاهوى إليها ليأخذها، فطارت فوقعت غير بعيد من غير مرتبتها، فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل، فاعجبه حسنها وخلقها، فلما رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها، فزاد ذلك أيضًا بها اعجابًا، وكان قد بعث زوجها على بعض بعوثه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا مكان إذا سار إليه قتل ولم يرجع، ففعل، فاصيب، فخطبها داود عليه السلام، فتزوجها.
فبينما هو في المحراب، إذ تسور الملكان عليه، وكان الخصمان إنما يأتونه من باب المحراب، ففزع منهم حين تسوّروا المحراب فقالوا: {لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} أي لا تمل {واهدنا إلى سواء الصراط} أي أعدله، وخيره {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} يعني تسعًا وتسعين امرأة لداود، وللرجل نعجة واحدة فقال: {أكفلْنيها وعزني في الخطاب} أي قهرني وظلمني {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب} قال: سجد أربعين ليلة حتى أوحى الله إليه: أني قد غفرت لك.
قال: رب كيف تغفر لي وأنت حكم عدل لا تظلم أحدًا؟ قال «إني أقضيك له، ثم استوهبه دمك، ثم أثيبه من الجنة حتى يرضى» قال: الآن طابت نفسي، وعلمت أن قد غفرت لي. قال الله تعالى: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لَزُلْفى وحسن مآب}.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه في قوله: {وهل أتاك نبأ الخصم} فجلسا فقال لهما قضاء فقال أحدهما إلى الآخر {أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب} فعجب داود عليه السلام، وقال: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} فاغلظ له أحدهما وارتفع. فعرف داود إنما ذلك بذنبه، فسجد فكان أربعين يومًا وليلة لا يرفع رأسه إلا إلى صلاة الفريضة حتى يبست، وقرحت جبهته، وقرحت كفاه وركبتاه، فاتاه ملك فقال: يا داود إني رسول ربك إليك، وإنه يقول لك ارفع رأسك فقد غفرت لك فقال: يا رب كيف وأنت حكم عدل كيف تغفر لي ظلامة الرجل؟ فترك ما شاء الله، ثم أتاه ملك آخر فقال: يا داود إني رسول ربك إليك، وإنه يقول لك، إنك تأتيني يوم القيامة وابن صوريا تختصمان إليّ، فأقضي له عليك، ثم أسألها إياه فيهبها لي، ثم أعطيه من الجنة حتى يرضى.
وأخرج ابن جرير والحاكم عن السدي قال: إن داود عليه السلام قد قسم الدهر ثلاثة أيام: يومًا يقضي فيه بين الناس، ويومًا يخلو فيه لعبادة ربه، ويومًا يخلو فيه بنسائه، وكان له تسع وتسعون امرأة، وكان فيما يقرأ من الكتب قال: يا رب أرى الخير قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي. فاعطني مثل ما أعطيتهم، وافعل بي مثل ما فعلت بهم، فأوحى الله إليه إن آباءك قد ابتلوا ببلايا لم تبتل بها. ابتلى إبراهيم بذبح ولده، وابتلى إسحاق بذهاب بصره، وابتلى يعقوب بحزنه على يوسف، وإنك لم تبتل بشيء من ذلك. قال: رب ابتلني بما ابتليتهم به، واعطني مثل ما أعطيتهم، فأوحى الله إليه: إنك مبتلي فاحترس فمكث بعد ذلك ما شاء الله تعالى أن يمكث، إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة حتى وقع عند رجليه، وهو قائم يصلي، فمدَّ يده ليأخذه فتنحى، فتبعه فتباعد حتى وقع في كوّة، فذهب ليأخذه، فطار من الكوّة، فنظر أين يقع، فبعث في أثره، فابصر امرأة تغتسل على سطح لها، فرأى امرأة من أجمل الناس خلقًا، فحانت منها التفاتة فابصرته، فالتَفَّتْ بشعرها فاستترت به، فزاده ذلك فيها رغبة، فسأل عنها، فاخبر أن لها زوجًا غائبًا بمسلحة كذا وكذا. فبعث إلى صاحب المسلحة يأمره. أن يبعث إلى عدوّ كذا وكذا فبعثه ففتح له أيضًا، فكتب إلى داود عليه السلام بذلك، فكتب إليه أن ابعثه إلى عدوّ كذا وكذا فبعثه فقتل في المرة الثالثة، وتزوّج امرأته فلما دخلت عليه لم يلبث إلا يسيرًا حتى بعث الله له ملكين في صورة انسيين، فطلبا أن يدخلا عليه، فتسورا عليه الحراب، فما شعر وهو يصلي إذ هما بين يديه جالسين، ففزع منهما فقالا {لا تخف} إنما نحن {خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} يقول: لا تخف {واهدنا إلى سواء الصراط} إلى عدل القضاء فقال: قصا عليَّ قصتكما فقال أحدهما {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} قال الآخر: وأنا أريد أن آخذها فاكمل بها نعاجي مائة قال وهو كاره قال إذًا لا ندعك وذاك قال: يا أخي أنت على ذلك بقادر قال: فإن ذهبت تروم ذلك ضربنا منك هذا وهذا. يعني طرف الأنف والجبهة قال: يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا. حيث لك تسع وتسعون امرأة، ولم يكن لاوريا إلا امرأة واحدة، فلم تزل تعرضه للقتل حتى قتلته. وتزوجت امرأته، فنظر فلم ير شيئًا، فعرف ما قد وقع فيه، وما قد ابتلى به {فخر ساجدًّا} فبكى، فمكث يبكي أربعين يومًا، لا يرفع رأسه إلا لحاجة، ثم يقع ساجدًّا يبكي، ثم يدعو حتى نبت العشب من دموع عينيه، فأوحى الله إليه بعد أربعين يومًا يا داود ارفع رأسك قد غفر لك قال: يا رب كيف أعلم أنك قد غفرت لي، وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء؟ إذا جاء يوم القيامة أخذ رأسه بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه دمًا فيّ يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني، فأوحى الله إليه: إذا كان ذلك دعوت أوريا، فاستوهبك منه، فيهبك لي، فاثيبه بذلك الجنة قال: رب الآن علمت أنك غفرت لي، فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياء من ربه حتى قبض صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه، نحوه.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إذ تسوّروا المحراب} قال: المسجد.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي الأحوص قال: دخل الخصمان على داود عليه السلام، وكل واحد منهما آخذ برأس صاحبه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ففزع منهم} قال: كان الخصوم يدخلون من الباب، ففزع من تسوّرهما.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {ولا تشطط} أي لا تمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {إن هذا أخي} قال: على ديني.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زاد داود عليه السلام على أن قال: {أكفلنيها}.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فقال أكفلنيها} قال: فما زال داود عليه السلام على أن قال: تحوّل لي عنها.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زاد داود عليه السلام على أن قال: إنزل لي عنها.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {أكفلنيها} قال: أعطنيها، طلقها لي أنكحها وخل سبيلها {وعزني في الخطاب} قال: قهرني ذلك العز الكلام والخطاب.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {أكفلنيها} قال: أعطنيها {وعزني في الخطاب} قال: إذا تكلم كان أبلغ مني، وإذا دعا كان أكثر قال أحد الملكين: ما جزاؤه؟ قال: يضرب هاهنا وههنا وههنا. ووضع يده على جبهته، ثم على أنفه، ثم تحت الأنف، قال: ترى ذلك جزاءه. فلم يزل يردد ذلك عليه حتى علم أنه ملك، وخرج الملك، فخر داود ساجدًّا قال: ذكر أنه لم يرفع رأسه أربعين صباحًا يبكي، حتى أعشب الدموع ما حول رأسه حتى إذا مضى أربعون صباحًا، زفر زفرة هاج ما حول رأسه من ذلك العشب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وقليل ما هم} يقول: قليل الذين هم فيه. وفي قوله: {إنما فتناه} قال: اختبرناه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {وظن داود} قال علم داود.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {وظن داود أنما فتناه} قال: ظن إنما ابتلي بذلك.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: إنما كان فتنة داود عليه السلام النظر.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وخر راكعًا} قال: ساجدًّا.
وأخرج عبد بن حميد عن كعب رضي الله عنه قال: سجد داود نبي الله أربعين يومًا، وأربعين ليلة لا يرفع رأسه حتى رقأ دمعه ويبس، وكان من آخر دعائه وهو ساجد أن قال: يا رب رزقتني العافية فسألتك البلاء، فلما ابتليتني لم أصبر، فإن تعذبني فأنا أهل ذاك، وإن تغفر لي فانت أهل ذاك قال: وإذا جبريل عليه السلام قائم على رأسه، قال: يا داود إن الله قد غفر لك، فارفع رأسك، فلم يلتفت إليه، وناجى ربه وهو ساجد فقال: يا رب كيف تغفر لي وأنت الحكم العدل؟ قال إذا كان يوم القيامة دفعتك إلى أوريا، ثم استوهبك منه، فيهبك لي، وأثيبه الجنة قال: يا رب الآن علمت أنك قد غفرت لي، فذهب يرفع رأسه، فإذا هو يابس لا يستطيع، فمسحه جبريل عليه السلام ببعض ريشه فانبسط، فأوحى الله تعالى إليه بعد ذلك: يا داود قد أحللت لك امرأة أوريا، فتزوجها فولدت له سليمان عليه الصلاة والسلام. لم تلد قبله ولا بعده قال كعب رضي الله عنه: فوالله لقد كان داود بعد ذلك يظل صائمًا اليوم الحار، فيقرب الشراب إلى فيه، فيذكر خطيئته، فينزل دمعه في الشراب حتى يفيضه، ثم يرده ولا يشربه.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد عن يونس بن خباب رضي الله عنه أن داود عليه السلام بكى أربعين ليلة، حتى نبت العشب حوله من دموعه، ثم قال: يا رب قرح الجبين، ورقا الدمع، وخطيئتي عليَّ كما هي، فنودي: أن يا داود أجائع فتطعم، أم ظمآن فتسقى، أم مظلوم فتنصر، فنحب نحبة هاج ما هنالك من الخضرة، فغفر له عند ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عبيد بن عمير الليثي رضي الله عنه، أن داود عليه السلام سجد حتى نبت ما حوله خضرًا من دموعه، فأوحى الله إليه: أن يا داود سجدت أتريد أن أزيدك في ملكك، وولدك، وعمرك؟ فقال: يا رب أبهذا ترد عليَّ؟ أريد أن تغفر لي.
وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي عن الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل عيني داود كالقربتين ينطفان ماء، ولقد خددت الدموع في وجهه خديد الماء في الأرض».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد من طريق عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلي قال: ما رفع داود عليه السلام رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى مات.